اقتصاد الجزائر والنفط.. خطة لفك الارتباط
أين ستذهب أموال الوفرة النفطية؟ وهل سنشعر بهذه الأموال؟ أسئلة تشغل المواطنين بالدول العربية التي حققت وفرة كبيرة، وإذا كانت بعضها وعلى رأسها السعودية قد حرصت على أن يشعر المواطنون إلى حد ما بهذه الوفرة من خلال تخفيض أسعار البنزين، فإن دولا أخرى لن يشعر مواطنوها بأي تغيير، ومن بينها الجزائر التي اعترف وزير ماليتها "مراد مدلسي" بهذا الأمر في منتدى التلفزيون الجزائري، حيث أكد أن الحكومة لن تتصرف في كل أموال النفط، بل ستحرص على وضع ما يزيد عن 19 دولارًا من سعر كل برميل نفط في صندوق لضمان التنمية، بحيث لا تتأثر البرامج التنموية بأي هزة في أسعار النفط.
وتسير هذه الرؤية التي طرحها مدلسي مع ما سبق أن أعلنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في أثناء توقيعه على ميزانية البلاد لعام 2007، يوم الثلاثاء 26/12/2006، حيث أكد أن الاقتصاد القائم على النفط اقتصاد غير حقيقي، وحذر من الوضع القائم بالجزائر، والذي ترتبط خلاله دخل الصادرات بالنفط بنسبة 98%، إلى درجة أن الإنتاج الوطني الخام، يمكن أن يتضاعف إذا حدث وارتفع سعر برميل النفط، كما يمكن أن ينخفض انخفاضا فادحا في حال انخفاض أسعاره؛ أي إنه يرتبط بثروة زائلة على حد وصف بوتفليقة في خطابه.
نصيب أكبر للاستثمار
وقد انعكست هذه الرؤية التي طرحها وزير المالية الجزائري، ومن قبله الرئيس بوتفليقة، على بنود ميزانية الجزائر عام 2007، فتميزت بارتفاع حجم الاستثمار الحكومي بشكل يفوق النفقات مقارنة بالسنوات الماضية، كما تضمنت تخصيص ما يعادل أكثر من 64 مليار دولار أمريكي للبرنامج التكميلي لدعم النمو الذي كانت قد أقرته الحكومة لعلاج التأخر الذي أصاب القاعدة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد بسبب أحداث العنف التي وقعت خلال الفترة من 1990 حتى 2000.
ويسير جنبا إلى جنب مع هذا الاتجاه السعي نحو جذب الاستثمار الأجنبي، سواء كان عربيا أو أجنبيا، وذلك بعد التعديل المنتظر لقانون الاستثمار، حيث سيعطي -من خلال تعديلاته- حوافز للمستثمرين، منها تخفيض الضرائب من 30 إلى 25%، وقد تقل هذه النسبة لتتراوح ما بين 12.5% إلى 15%، في حال إعادة استثمار الأرباح، كما سيتضمن مزايا في الضرائب على الأرباح للشركات التي توفر فرص عمل جديدة.
وكان رئيس المنتدى الجزائري لرؤساء الشركات عمر رمضان قد أبدى قلقه في مؤتمر صحفي يوم 17 نوفمبر 2006 من قلة حجم الاستثمارات العربية بالجزائر حيث لا تتجاوز 6 مليارات دولار، باستثناء قطاع النفط ، وهو -بحسب رمضان- مبلغ ضئيل جدا بالمقارنة بالقدرات المالية للدول العربية وخاصة دول الخليج المستفيدة الرئيسية من ارتفاع أسعار النفط.
ودعا إلى تنشيط الاستثمار الأجنبي في مجال السياحة، خاصة بعد أن حددت الحكومة الجزائرية 22 منطقة للتوسع السياحي ستفتح أمام المستثمرين بهدف تنشيط هذا القطاع الذي توقف تطوره بسبب أحداث العنف منذ بداية التسعينيات.
خفض الدين الخارجي
ولم تقتصر إجراءات الحكومة الجزائرية -لجذب الاستثمارات- على مناطق التوسع السياحي والقانون المنتظر للاستثمار، بل اتجهت أيضا إلى مغازلة الاستثمارات الأجنبية من خلال خفض الدين الخارجي، حيث أعلن رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم في تصريحات نشرت 14/11/2006 أن بلاده خفضت الدين الخارجي إلى 5 مليارات دولار من 9 مليارات في نهاية يوليو 2006.
ويرجع ذلك لاتفاقات بين الحكومة والدول الدائنة على السداد المبكر دون تحصيل فوائد، وهو أمر لم يكن يتحقق -كما قال بلخادم- لولا الزيادة كبيرة في إيرادات النفط والغاز، والتي أدت لارتفاع الاحتياطات من العملة الأجنبية.
درس من أخطاء الماضي
وعلى ذلك يتضح أن الجزائر ستوجه جانبا كبيرا من عائدات النفط لتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية، وذلك كوسيلة لبناء اقتصاد حقيقي لا يعتمد على النفط بشكل أساسي كما قال بوتفليقة في خطابه بعد توقيع الموازنة.
ويفسر الخبير الإستراتيجي الدكتور عبد المالك سراي هذا التحول بأن الحكومة الجزائرية استفادت من أخطاء الماضي، عندما اعتمد اقتصادها بشكل أساسي على البترول في الثمانينيات، فاضطرت إلى إلغاء بعض برامجها التنموية مع انخفاض سعر البرميل إلى 8 دولارات، وقد تسبب ذلك -حسب رأيه- في أزمة الجزائر الاقتصادية، والتي أدت إلى أحداث العنف التي استمرت 10 سنوات من 1990 حتى 2000.