أنواع الكبر ثلاثة:
كبر على الله، وكبر على رسل الله، وكبر على عباد الله.
النوع الأول: الكبر على الله: وهو أشد من الكفر كما قال ابن تيمية،
فالكافر هو الرجل الذي يشرك مع الله غيره، أما المتكبر فلا يرضى بالله رباً، ولا إلهاً، وكثير من الكفار يرضى بالله رباً، ولكن لا يرضى به إلهاً يحكمه ويحتكم إلى أمره، فيعترفون بالربوبية، ولا يسلمون للألوهية.
والنمرود بن كنعان عندما تكبر على الله فقال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، سلط الله عليه بعوضة سلبته حياته، فدخلت في أحد منخريه وتظل به حتى يضربونه بالنعال على أم رأسه، وطنين البعوضة في أنفه جعله لا يستريح إلا بضرب النعل على رأسه.
وفرعون لما تكبر وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ [القصص:38]، نغص الله عز وجل عليه حياته في الدنيا قبل الآخرة.
ولما قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51]، فعندما افتخر بأنه أجرى النهر نغص الله عز وجل عليه انتفاعه بهذا النهر، فكان لا يتناول قدحاً من الماء ليشربه إلا واستحال دماً عبيطاً، وما ملأ قدحاً من الماء إلا وامتلأ بالضفادع، وتدخل الضفادع الأفران لتأتي على طعامه أو لتمتزج بطعامه،
والإنسان الذي يديم الغسل لا تجد عليه القمل، ومع ذلك فقد ابتلاه الله عز وجل بالقمل مع أن معه ماء النهر، وهذه الآيات متصلة بالماء الذي افتخر به. فالقمل، والدم، والضفادع كلها مرتبطة بجنس ما افتخر به،
ثم لما عتا كان غرقه بجنس ما افتخر به.
وعندما كان يقول: فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ [القصص:38]. إذا بهذا الفم النجس يمتلئ طيناً نجساً، يقول سيدنا جبريل للمصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتني يا محمد وأنا أدس في فيه من حال البحر حتى لا تدركه رحمة الله تعالى)، وحال البحر الطين المنتن.
ويدخل في ضمن الكبر على الله تبارك وتعالى،
الكبر على شرع الله، وهو مثل التكبر على الله، ومن صور الكبر على شرع الله أنه لا يرضى بدليل نقلي من الكتاب أو من السنة ويستقذره،
فإن قلت له مثلاً: هناك حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليخرجه)، يستقذر هذا الأمر، ولو قلت له: هناك سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعق الإناء بثلاثة أصابع لكي يتبارك الطعام، لا يقبل هذا أيضاً ويستقذره، فهو لا يكتفي بالرد، بل ويستقذره أيضاً.
أو أنه يصادم النقل بالعقل فيقول مثلاً: هؤلاء الناس الذين نزل عليهم القرآن كانت عقولهم ساذجة بسيطة،
ونحن أوتينا قسطاً من العقول باطلاعنا على المنطق والفلسفة فيصادم النقل بالعقل.
من أنت يا أرسطو ومن أفلاطون قبلك يا مبلد ومن ابن سينا حين قرر ما هديت له وأرشد هل أنتم إلا الفراش رأى الشهاب وقد توقد فدنا فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد؟
يقول الإمام الشافعي: ما فسد العرب إلا لما تركوا لسان الفطرة ومنطق القرآن واتبعوا لسان أرسطو طاليس، فكان بداية دمار العالم وضياع الدولة العباسية على يد المأمون .
وهناك أناس يتكبرون على الله تبارك وتعالى بالعقل،
وهم أصحاب مدرسة الاعتزال أو المدرسة العقلية، فهنالك من يفسر الطير الأبابيل بالمكروبات والجراثيم، وهنالك من ينكر وجود الجن أو يأتي بهذه المدرسة العقلية التي تحسر العقل في الشرع.
وهناك من يتكبر على الله تبارك وتعالى بالذوق، فيقيس الدليل النقلي أمامه بالذوق، فيقول: ذوقي يمج هذا الدليل ولا يقبله،
وإذا استمع إلى الأطلال فإنه يبكي وإذا استمع إلى آيات من كتاب الله تبارك وتعالى فإنه لا يبكي، ويقول: استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك.
وموسيقارنا عبد الوهاب**وكوكب شرقنا نبحت سنينا
وذاك العندليب أخو الغراب** أنتركه لدعوى الطاهرينا
ورقص الشرق ذا فن تجلى**وذاك الضيق عين الشاكرينا
يقول عثمان بن عفان : لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم.
فهنالك من يفضل النقل على العقل، أو يفضل الذوق على النقل، أو يفضل السياسة على النقل، فإن تصادم دين الله تبارك وتعالى بالسياسة يقول: نحن أعلم، ولا نريد دولة كهنوتية ولا دولة دينية ولا نريد كذا، فنحن أعلم بالسياسية، وما شأنكم بالسياسة وأنتم لا تعلمون الكثير منها.
فهذه المعارضات الثلاث من صور الكبر على الله تبارك وتعالى وعلى شرع الله تبارك وتعالى، ونقيضها التواضع.
والتواضع لشرع الله تبارك وتعالى: ألا يقدم على النقل عقلاً ولا ذوقاً ولا سياسة، وأن يرضى بالدليل النقلي، وأن يسلم لهذا الدليل.. وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا صاحب الروضة الشريفة.
فالمسلم يسلم للدليل عن رضا وعن اقتناع، وهذا معنى الرضا برسول الله رسولاً، وهو أن تسلم له حتى فقدان الحرج الظاهري والباطني، قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].